لماذا لم يؤثر ChatGPT على نمو بحث جوجل؟

 منذ إطلاق ChatGPT في أواخر عام 2022، توقع الكثيرون أنه سيحدث ثورة في عالم البحث الرقمي، لدرجة أنه قد يشكل تهديدًا وجوديًا لـ محرك بحث جوجل، الذي ظل المسيطر على سوق البحث منذ عام 1998. يتميز ChatGPT بقدرته على تقديم إجابات فورية ومباشرة، مما يجعله خيارًا مغريًا للمستخدمين الباحثين عن معلومات سريعة ودقيقة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الصعود الصاروخي لـ ChatGPT وزيادة اعتماده من قبل ملايين المستخدمين حول العالم، تكشف البيانات الحديثة أن جوجل ما زالت تحتفظ بصدارتها دون أي تراجع واضح في عدد عمليات البحث، بل على العكس، فقد سجلت نموًا مستمرًا. هذا يثير تساؤلًا مهمًا: 

لماذا لم يؤثر ChatGPT على نمو بحث جوجل؟


  • لماذا لم يتأثر محرك بحث جوجل رغم كل التوقعات التي أشارت إلى إمكانية تراجعه؟ 
  • وما العوامل التي جعلت جوجل تحافظ على تفوقها؟

نمو جوجل المستمر: أرقام تدحض المخاوف


في إعلانٍ حديث، كشفت جوجل عن معالجتها لأكثر من 5 تريليونات عملية بحث سنويًا، مما يعكس نموًا مستمرًا في عدد استعلامات البحث على منصتها. يُقدر هذا الارتفاع بنحو 20% خلال العامين الماضيين، وهي فترة شهدت ظهور ChatGPT من OpenAI والأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي الأخرى. هذه الأرقام تُظهر بوضوح أن جوجل ما زالت تحتفظ بموقعها كأكبر محرك بحث في العالم.


وفقًا لتحليلات شركة باركليز، ارتفعت استعلامات البحث عبر جوجل من 3.5 تريليونات في 2023 إلى مستويات قياسية جديدة اليوم، وهي زيادة تبرهن على استمرارية نمو جوجل. وهذا يُعد ردًا قويًا على المخاوف التي أثارها ظهور الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT.

حتى منصات البحث الأخرى مثل Microsoft Bing، المدعومة بتقنيات OpenAI، لم تتجاوز 10 مليارات عملية بحث يوميًا في ذروتها، وهو رقم متواضع مقارنة بـ جوجل التي تُسجل 5 تريليونات عملية بحث سنويًا. يُظهر هذا الفارق الكبير أن جوجل لا تزال في المقدمة، حتى مع المنافسة المتزايدة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

القلق من ChatGPT: هل كان مبالغًا فيه؟


شهد ChatGPT نموًا سريعًا للغاية، حيث وصل إلى 400 مليون مستخدم نشط بحلول فبراير 2025، مقارنة بـ 100 مليون مستخدم في عام 2023. هذا الارتفاع السريع أثار تساؤلات حول تأثيره على محرك بحث جوجل، مما جعل البعض يعتقد أن ChatGPT قد يشكل تهديدًا حقيقيًا لـ هيمنة جوجل.

 ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن 27% فقط من الأمريكيين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في البحث بدلاً من جوجل، وهو رقم لا يزال بعيدًا عن تحقيق هيمنة على سوق البحث الرقمي.


علاوة على ذلك، أظهرت استطلاعات أخرى أن 5% فقط من المستخدمين يفضلون ChatGPT كـ محرك بحث رئيسي، مما يوضح أن الغالبية العظمى من المستخدمين ما زالوا يعتمدون على جوجل. وتتمثل التحديات التي تواجه ChatGPT في أنه، على الرغم من تزايد استخدامه، تتركز غالبية استفساراته في مجالات غير تجارية مثل التعلم أو الترفيه. بينما يظل جوجل الخيار المهيمن عندما يتعلق الأمر بالبحث عن معلومات موثوقة أو خدمات مباشرة.


ابتكارات جوجل: دمج الذكاء الاصطناعي في قلب البحث

ابتكارات جوجل: دمج الذكاء الاصطناعي في قلب البحث


لم تنتظر جوجل طويلًا لمواجهة الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل أطلقت مجموعة من التحديثات الثورية التي تعيد تعريف تجربة البحث، مما يجعلها أكثر ذكاءً وتكاملًا مع الحياة اليومية. ومن أبرز هذه الابتكارات:


  • Google Lens: يستخدمه 12 مليار مرة شهريًا، مما يحوّل الكاميرا إلى أداة بحث مرئي فورية، تساعد المستخدمين في التعرف على الأشياء، والترجمة، وحتى البحث عن المنتجات مباشرةً عبر الصور.
  • Circle to Search: ميزة جديدة تتيح للمستخدمين البحث عن أي محتوى على الشاشة بمجرد تحديده بحركة دائرية، دون الحاجة إلى نسخ النص أو مغادرة التطبيق.
  • AI Overviews: تقدم إجابات مباشرة داخل صفحة نتائج البحث، مما يوفر معلومات سريعة ودقيقة، رغم بعض الأخطاء المبكرة (مثل وصفة البيتزا التي تضمنت الغراء! 🤦‍♂️).

هذه الأدوات المتقدمة لا تقتصر على تحسين تجربة البحث فحسب، بل تعزز هيمنة جوجل عبر دمج الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية لإنترنت الأشياء، والهواتف الذكية، مما يجعلها أكثر تكيفًا مع احتياجات المستخدمين اليومية.


مستقبل البحث: وكلاء الذكاء الاصطناعي يعيدون تعريف السوق

يتفق الخبراء على أن التهديد الحقيقي لـ محركات البحث التقليدية لن يأتي من روبوتات الدردشة مثل ChatGPT، بل من وكلاء الذكاء الاصطناعي المتقدمة، القادرة على أتمتة المهام المعقدة، مثل:

  • حجز الفنادق تلقائيًا بناءً على تفضيلات المستخدم.
  • التسوق الذكي عبر مقارنة الأسعار وتنفيذ عمليات الشراء مباشرة.
  • إدارة الجداول والمواعيد دون تدخل يدوي.

لكن رغم هذه التوقعات، لا تزال وكلاء الذكاء الاصطناعي في مراحلها الأولية، حيث لم تصل بعد إلى مستوى الدقة والاعتمادية المطلوبة لتغيير سلوك المستخدمين بشكل جذري.

في المقابل، تُراهن جوجل على استباق هذه التغييرات عبر تطوير AI Agents، وهي منظومة ذكاء اصطناعي متكاملة تهدف إلى دمج البحث مع الخدمات اليومية، مما يعزز هيمنتها الرقمية ويجعلها أكثر من مجرد محرك بحث.


الخلاصة: معركة التكيف لا البقاء

تُظهر البيانات الحديثة أن ChatGPT لم يؤثر سلبًا على نمو جوجل، بل ربما دفعها إلى تسريع وتيرة الابتكار لتعزيز مكانتها في سوق البحث. لكن التحدي الحقيقي لا يتعلق بـ البقاء، بل بمدى قدرة جوجل على التكيف مع التحولات الكبرى في طبيعة الإنترنت.

حيث يتحول الإنترنت تدريجيًا من "مستودع معلومات" يعتمد على البحث التقليدي، إلى "منصة تفاعلية ذكية" تقوم على وكلاء الذكاء الاصطناعي والتخصيص العميق. لذا، فإن نجاح جوجل في المستقبل لن يعتمد على مقاومة التغيير، بل على قيادته وصياغة معاييره.

حتى الآن، تبقى جوجل العملاق الذي يُعيد تعريف نفسه باستمرار، بينما يظل ChatGPT مجرد أداة مكملة، وليس بديلًا حقيقيًا عن محركات البحث التقليدية.

تعليقات